إنّ كل هذا الإبداع، والخلق، والتقدير العظيم، يدل على أنّ المدبّر والمُهيمن على هذا الكون كلّه؛ هو خالقٌ واحدٌ، ولو تعدد المنظّم والمدبّر، لاختلفت، وتعددت، وتباينت نواميس الكون أجمع؛ ولذلك فالمدبّر، والمقدّر، والخالق، والمنظّم للكون وشؤونه، وجميع الخلق هو الله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي تفرّد بالربوبية خلقاً، وإيجاداً، وتدبيراً | ومما يدل على أهميته ما يثمره من الثمرات العظيمة؛ فالعلم به، والإيمان بمقتضاه يثمر إجلال الرب، وتعظيمه، ورجاءه، ومحبته والخوف منه إلى غير ذلك؛ فلا ينبغي التقليل من شأنه، ولا ترك الحديث عنه، كما لا ينبغي ـ في الوقت نفسه ـ أن يجعل الغاية في التوحيد، كما هو شأن أهل الكلام، بل إن الغاية في التوحيد هو توحيد الألوهية ـ كما سيأتي بيانه ـ |
---|---|
لما قالوا أنَّ الله ليس في العلو، وأنَّه في كلِّ مكان، هذا القول الذي أدَّى إلى وجود قول: وحدانية الوجود، هذا الانحراف نفيُّ العلو | إقرار مشركي العرب بالربوبية كان مشركو العرب يقرّون الربوبية، وكانوا يؤمنون بأنّ الله هو الخالق، ومع ذلك كانوا يعبدون مع الله آلهة أخرى، حيث كانوا يقرّون بأن الله هو الخالق، وأنّ ما يعبدونه من أصنام لا تشارك الله في الخلق، وأنّ خالق الأرض والسموات هو الله وحده، يقول تعالى: وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّـهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّـهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ، ويقول تعالى: قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، سَيَقُولُونَ لِلَّـهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ، فكان مشركو العرب مُقرّين بالربوبية، إلا أنّهم كانوا يعبدون مع الله آلهة أخرى، وهذه هي المشكلة عندهم، حيث إنّهم لم يكونوا مقرّين بالألوهية؛ بل كانوا يعبدون مع الله آلهةً أخرى؛ ويدَّعون أنّهم يعبدونها لتقربهم من الله تعالى، يقول الله تعالى عنهم: أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ |
وكلامه هذا مجرد دعوى لم يقم عليها بينة، ولا دليل، بل كان هو نفسه غير مؤمن بما يقول.
إذا علم هذا فليعلم أن التوحيد قد قسمه العلماء إلى ثلاثة أقسام وهي : توحيد الربوبية ، وتوحيد الألوهية ، وتوحيد الأسماء والصفات | وفي رواية لحديث ابن عمر : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ " أخرجه مسلم 16 فدل هذا على أن التوحيد هو حقيقة شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن هذا هو الإسلام الذي بعث الله به نبيه إلى جميع الثقلين من الإنس والجن والذي لن يرضى الله من أحد دينا سواه |
---|---|
ولا يضاف إلا في قولهم: فلان نسيب وحده، ويقال: وحده وأحده كما يقال ثناه وثلثه، ورجل وحد ووحِد ووحيد أي منفرد، وسأل عن الآحاد أهي جمع أحد؟ فقال: معاذ الله! وهناك تعريف آخر مختصر وهو: توحيد الله بأفعاله | ويمكن أن يعرف بأنه : اعتقاد أن الله واحد لا شريك له في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته |
هل ممكن نقول: أن التوحيد ينقسم إلى توحيد قول وتوحيد عمل؟ ممكن أيضاً، وتفصيلاً يكون أربعة، توحيد القول باللسان، وتوحيد القول بالقلب، توحيد العمل بالقلب، توحيد العمل بالجوارح، وهذه الأقسام متلازمة لا ينفَك بعضها عن بعض، ولا يمكن لشخص أنَّ يوحِّد بجوارحه وهو مشرك ويصلي.
وسمي بتوحيد الألوهية : لأنه مبني على التأله لله وهو التعبد المصاحب للمحبة والتعظيم | رسائل في العقيدة لمحمد بن إبراهيم الحمد— ص: 127 |
---|---|
توحيد الربوبية هو ينقسم التوحيد الى ثلاثة اقسام: توحيد الاولوهية, توحيد الربوبية, وتوحيد الاسماء والصفات, وكل قسم له مفهومه الخاص به, ولكن اليوم سنتعرف في هذا المقال على مفهوم توحيد الربوبية | أضف إلى ذلك أن المشركين كانوا مقرين به كما مر، ومع ذلك لم يدخلهم في الإسلام؛ لأن الإقرار بتوحيد الربوبية لا يكفي وحده، بل لا بد من توحيد الألوهية |
والنوع الثالث: وهو توحيد العبادة، وهذا الذي وقع فيه النِّزاع المسلَّح وغير المسلَّح بين الرُّسل وأقوامهم.
11