و مع أنه قال قبل ذلك: فلا تطع المكذبين، أعاده لمزيد التأكيد والتحذير من هذا الصنف خاصة، فقال: { وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ } أي كثير الحلف، أهون ما عليه أن يشقق الأيمان بالدعاوى العريضة، كما هو حال المنافقين، فإنه إذا أكثر الحلف أوهم السذج بأنه صادق في دعواه، وهو مجرد حلاف، { مَهِينٍ } أي ذميم وسامج وحقير | وقد ضرب النبي r لذلك مثلا لأصحابه، فقال: «إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّمَا مَثَلُ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا بَطْنَ وَادٍ، فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ، وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ، حَتَّى حَمَلُوا مَا أَنْضَجُوا بِهِ خُبْزَهُمْ، وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يَأْخُذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ»، فعلى الإنسان أن يستنبت في قلبه تقوى الله I ، والحذر من الوقوع في معاصيه، لأنه إذا أحاطت به خطيئته أهلكته |
---|---|
يقول القرآن الكريم : {فلما رأوها قالوا إنا لضالون} | وأصل النميمة الحركة الخفيفة ومنه أسكت الله نأمنه أي ما ينمّ عليه من حركته |
فالاستدراج يكون بأن يمهل الله للظالم، والكافر، والفاسق، والفاجر، والمشرك، حتى يأخذه على حين غرة.
ولكن في الدائرة المعلومة الحدود | قوله: {خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ} خاشعة بمعنى خاضعة، والبصر يعبر عما في القلب، بل الوجه كله يعبر عما في القلب |
---|---|
فالذي ينبغي للمؤمن أن يكون على وجل، وأن ينشأ في قلبه ورع، وخوف، وتحرج، وتحوط من الظلم، والظلم ظلمات يوم القيامة | وهكذا يتقصى القرآن كل دعوى يدعونها، وكل شبهة يتذرعون بها، فينسفها نسفًا |
فإذا بصاعقة مهلكة تصيب جنتهم في ظلمة الليل فتحولها إلى رماد ، في وقت كان أصحاب الجنة يغطون في نوم عميق | |
---|---|
ثم رجعوا إلى عقولهم وتركوا التلاوم ، واعترفوا بأنهم في التبعة والطغيان سواء ، ودعوا على أنفسهم بالموت والهلاك ، وسألوا اللَّه العفو والمغفرة وقالوا : {عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ} | هو يعلم منه ما لا يعلمه سواه |
ويقال أن الله I : أعاضهم عن جنتهم تلك بعد ذلك بخير منها.